“كلّ مملكةٍ تنقسمُ على نفسِها تخرب” (لو 11: 17)، فكيف لو كانت تلك المملكةُ “مملكةُ قلبي”؟ نعم يا رب، أنت تعلمُ كلّ شيء، فأنت فاحص القلوب والكلى وتعرف أنّ قلبي منقسمٌ!
قلبي مكبّلٌ في سجن الأنانيّة بسبب أهواءٍ وميولٍ تدفعُه لامتلاك الآخر واستعباده أو اشتهاء ما يملكُه.
قلبي نائمٌ فقد أنهكتهُ وخدّرتهُ هموم هذه الدنيا وجعلتهُ جاهلًا مشرّعًا مداخلَهُ لِلصوصٍ تهدّد شعلة الحبّ التي في داخله.
قلبي فاترٌ من جراء روتين الأيّام ورماديّة الظروف التي تزيد من قلقه واضطرابه.
قلبي قاسٍ ويابس حجّره الحسد والحقد فجعله مقفلًا مكتوبًا على بابِه: “ممنوع الدخول”!
قلبي متزعزعٌ ومتردّد تهزّه رياح وعواصف التجارب فتدفعه لاختيار الشرّ الذي لا يريده.
قلبي ملوّثٌ بأوحالِ الخطيئة وملطّخٌ بقباحةِ الخيانة من جراء السجود لآلهة مزيفةٍ كاذبة.
“أحبِب الربّ إلهكَ منكلِّ قلبِكَ” (تث 6: 4): إنّها مسيرة حياةٍ وتوبةٍ دائمةٍ ليكون الله في قلبي الكلّ في الكلّ. ليست تلك المسيرة فرديّةً فحسب بل جماعيّة ننتقل فيها من التشرذم والشقاق إلى الوحدة فنكونَ على قلبٍ واحدٍ لأنَّ الله واحد.
هنيئًا لي لأنّ لي في هذه المسيرة الروحيّة أمًّا ومثالًا ومعلّمةً تعلّمني كيف أعيش بتوليّة القلب (بتولية مريم الجسديّة هي علامة لبتوليّة قلبها وكيانها بكليّته) أي كيف يصبح قلبي بكليّته مكرّسًا لله. تكرّس القلب لله لا يعني إلغاء الآخر من حياتي بل يُساهم في تحديد وبناء علاقة سليمة وصحيحة معه (حتّى مع الأشياء) مبنيّة على محبّة الله ومتشبّهة به هو الذي يبقى له وحده الأولويّة.
لنتأمّل بقلبِ أمّنا مريم غيرِ المنقسم!
قلبُها حرٌّ مفتوحٌ بكليّته لله (مملوءة نعمةً) ولمحبة البشريّة جمعاء (يا امرأة هذا ابنك).
قلبُها سهرانٌ يقظٌ كالعذارى الحكيمات ينتظر لقاء العريس والاتحاد به.
قلبُها ثابتٌ ومضطرمٌ بالحبّ لم تفتُره ولم تُقعِده قساوة الصليب بل جعلته واقفًا بقوّة الرجاء والايمان.
قلبُها رحومٌ وعطوفٌ (مريم أمّ الرحمة وملجأ الخطأة) فهي تتضرّع من أجلي وتشجّعني على التوبة أي العودة إلى الله (افعلوا كلّ ما يأمركم به)
قلبُها طاهرٌ ونقيّ (الحبل بها بلا دنس والفائقة القداسة) تنطبقُ عليها تطويبة الربّ يسوع في إنجيل متى: “طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم يعاينون الله” (مت 5: 8).
قلبُها موحّدٌ غيرُ منقسمٍ لأن ليس فيه سوى رغبةٌ واحدة ومشروعٌ واحد: محبة الله وتتميم إرادته. أطلبُ منكَ يا يسوع الوديع والمتواضع القلب في هذا الشهر المكرّس لتكريم أمّنا مريم العذراء أن تجعلَ بقوّة روحك القدّوس قلبي وقلبَ كلّ إنسانٍ مثلَ قلبِكَ وقلبِها … فيصبح بكليّتِه ملكًا لكَ!