كلّ إنسانٍ يبحث عن صديقٍ حقيقي يرافقه في طرقات حياته: إنّه الفرح! تعدّدت الطرق ولكن غاية إنسان اليوم واحدة: “الحصول على هذا الفرح العميق” بأسرع وأسهل طريقة ممكنة بمعنى آخر “بدون ألم“. لقد أقنعتنا روح الاستهلاكيّة التي تطغى اليوم في مجتمعاتنا والتطوّر التكنولوجي الهائل الذي نعاصره أن الفرح والألم عدوّان لا يلتقيان أبدًا.
الفرح بالنسبة لإنسان اليوم مبنيُّ على مبدأ الامتلاك: دوام الصحة بدون ألم الجسد، دوام المال بدون أَلم العمل، دوام الشهرة بدون ألم الاختفاء، دوام السلطة بدون ألم الخدمة، دوام النجاح بدون ألم الجهد، دوام المجد بدون ألم الصليب، دوام الحياة بدون ألم الموت! ولكن، إذا عدنا إلى الكتاب المقدّس أو إلى كتاب اختبارات الحياة البشريّة عبر العصور، نستنتج إنّ هذا الأمر مستحيل!
صحيحٌ أن المسيحيّة ليست ديانة الألم (الألم من أجل الألم) ولكن المسيح أعطى معنىً للألم الذي نعيشه من خلال آلامه وموته من أجلنا أي من خلال إدخال عنصر جوهريّ إلى ثناية الفرح والألم ألا وهو خصوبة المحبّة: ” إِنَّ حَبَّةَ الـحِنْطَة، إِنْ لَمْ تَقَعْ في الأَرضِ وتَمُتْ، تَبْقَى وَاحِدَة. وإِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِير”(يو 12: 24) (قبول الألم مع المسيح ومن أجل محبته وخدمةً للآخر). الحبّ أقوى من الألم وله وحده الكلمة النهائيّة.
لننظر إلى حكمة الحياة التي نعيشها: أيمكننا أن نفرح بالحصاد بدون أن نجاهد في الزرع؟ أيمكن للمرأة الحامل أن تفرح بولادة ابنها بدون ألم المخاض؟ أيمكن للأهل أن يجنوا ثمار تربيّة أبناءهم بدون ألم السهر والعناية بهم؟ أيمكننا أن نختبر فرح النمو والنضوج بدون ألم الأزمات التي عشناها؟
في قلب أزمة الكورونا التي نعيشها وفي قلب تأمّلنا بالآلام سيدنا يسوع المسيح الخلاصيّة، من أهم الدروس التي يمكن أن نتعلّمها اليوم والتي تساهم في نضوجنا الانساني والروحي هي أن فرحنا الحقيقي هو أوّلًا وآخرًا في محبة المسيح لنا وفي محبتنا له وللآخرين. لا يمكننا التنعّم بفرح مجد قيامة المسيح (الذي هو أولًّا نعمة من عند الله) بدون بذل الذات أي بدون حمل الآلام صلبان حياتنا مع المسيح (ألم التعب، ألم التضحية، ألم غياب التعزيات، ألم البُعد عمن نحبّ…) لأنّه كما يردّد أباءنا في الايمان: من يبحث عن المسيح بدون الصليب، يجد الصليب بدون المسيح.
أختم ببعض الأسئلة التي طرحتها على ذاتي: أليست رغبتي بتجنّب الألم أحيانًا هي رغبة دفينةٌ بتجنّب الحبّ؟ ألا ينقذني الألم الذي أعيشه مع المسيح في سبيل خدمة الآخرين من الغرق أحيانًا بحبٍّ عاطفيٍّ عابرٍ أو أنانيِّ نرجسيّ؟ ألا يذكّرني الألم أحيانًا بإننّي إنسان بحاجة دائمة إلى الله وتسليم ذاتي له لأعيش معه الفرح ويدوم هذا الفرح؟