تابعونا على صفحاتنا

مقالات

على الجَبَل تَلأَلأَ مَجدُ يَسوع في جَسَدِنا الضّعيف!

يَتَّخِذُ حَدَثُ تَجَلّي الرَّبَّ يَسوع مَوقِعًا مُهِمًّا وَمِحوَريًّا في سِياقِ الأَناجيل الإِزائِيَّة. بَعدَهُ لَيسَ كَما قَبلَهُ. لَقَد مَهَّدَ إِكتِشافُ الرُّسُل لِهُوِيَّةِ يَسوع وَمُجاهَرَتِهِم بِها أَمامَهُ عَلى لِسانِ سِمعانَ بُطرُس لِحَدَث التَّجَلّي. يَسوعُ النَّاصِريّ الَّذي أَعلَنُوهُ كَمَسيحٍ وَابنٍ لله، سَيَتأَكَّدونَ مِن حَقيقَةِ هُوِيَّتِهِ مِنْ خِلالِ حَدَثِ التَّجَلّي، وَرُغمَ شَهادَة موسى وَإِيلِيَّا سَتَبقى عُيونَهُمْ مُغلَقَة حَتَّى نُزولِ الرُّوحِ القُدُس عَلَيهِم. مُنذُ ذَلِكَ الحين بَدَأَ يَسوعُ يُعلِمُهُمْ عَنْ فِصحِ آلامِهِ وَمَوتِهِ وَقِيامَتِهِ. وَعَلى ضَوءِ هذا الحَدَث، بَدَأَ يُعِدُّهُم لِيُدرِكوا فيما بَعد حَقيقَةَ القِيامَة. بِالإِضافَةِ إِلى هذا جَعَلَ يَسوعُ مِنْ حَدَثِ التَجَليّ مُفتاح القِراءَة المـَسيحانِيَّة الخاصَّة لِكُلّ نُبُؤاتِ العَهدِ القَديم، وَلِفَهمِ وَجه المـَسيح المـُنتَظَر على أَنَّهُ عَبد يَهوَه المـُتَأَلِّم.

أَكثَر ما يَجِب أَن يَستَوقِفُنا في حَدَث التَّجَليّ هوَ “التَّحَوُّل” الَّذي حَصَلَ في جَسَدِ الرَّبَّ يَسوع: أَشرَقَ النُّورُ مِنْ وَجهِهِ، وَصارَت ثِيابُهُ بيضاءَ تَتَلألَأُ كَالبَرق. الأَمرُ لَيسَ بَسيطًا، إِنَّهُ يَتَّصِلُ في جَسَدِنا البَشَريّ الضعيفِ هذا. مَع يَسوع أَصبَحَ لِطَبيعَتِنا البَشَرِيَّة بُعدًا آخَر، وَهذا ما عَلَينا أَن نَكتَشِفَهُ وَنُدرِكَهُ وَنَختَبِرَهُ. الصّلاةُ هيَ المـَساحَة الَّتي بِإِمكانِنا أَن نَختَبِرَ فيها جِزءًا مِن هَذِهِ الحَقيقَة. لَقَد صَعِدَ يَسوعُ إِلى الجَبَلِ لِيُصَلّي بِرِفقَةِ تَلاميذِهِ الثّلاثَة، وَعِندَ إِمعانِهِ في الصَلاةِ تَجَلَّت هُوِيَّتَهُ الإِلَهِيَّة لَهُم. لَقَد سَبَقَ وَعُرِفَ موسى في العَهدِ القَديم بِوَجهِهِ النُّورانيّ مِن جَرَّاءِ لِقائِهِ الحَيّ بِاللهِ في الصّلاة، إِلى حَدٍّ استَدعى الأَمرَ مِنْهُ أَن يَضَعَ بُرقُعًا لِيَحْجُبَ النُّورَ الساطِعِ مِنْ وَجهِهِ.

غالِبًا ما نُصَلّي إِلى الله لِنَطلُبَ مِنْهُ حاجاتِنا وَلِنَسأَلهُ الرِّضى وَالمَغفِرَة، وَلَكِنْ مَع يَسوع نَتَعَلَّم أَنَّ الصّلاةَ هيَ المـَساحَة الَّتي مِن خِلالِها نَكتَشِفُ هويَّتَنا الحَقيقيّة في حَضرَةِ الآبِ السَّماويّ. مَع يَسوع المـُتَجَلّي عَلى الجَبَل نَكتَشِفُ أَنَّ الصّلاةَ هيَ المـَساحَة الَّتي تُنالُ فيها قُلوبَنا الوَحيَ الإِلَهيّ، فَنُدرِكَ عَطِيَّةَ الإِيمان، وَنَفهَمَ الكُتُبَ المـُقَدَّسَةَ عَلى ضَوءِ أَنوارِ الرُّوحِ القُدُس، وَأَكثَر نُدرِكُ ضِعَتَنا وَمَحدودِيَّتَنا أَنَّنا ما دُمنا في طَبيعَتِنا البَشَرِيَّة يَبقى عِلمُنا ناقِصًا وَمَعرِفَتُنا ناقِصَة، لِكِنَّ اختِبارَنا لِقِبصٍ مِنْ حَقيقَةِ الأَبَدِيَّة سَيَزرَعُ في قُلوبِنا الرَّجاءَ، لِكَيْ نَسعى إِلى الأُمورِ الَّتي في العُلى.

 في حَدَثِ تَجَلّي الرَّبَّ يَسوع عَلى الجَبَلِ كانَ شَخصُهُ هوَ المـِحوَر الأَساسيّ في المـَشهَد، وَكانَ جَسَدُهُ الإِنسانيّ، أَيْ الطَّبيعَةَ البَشَرِيَّةَ الضّعيفَة الَّتي اتَّخَذَها مِنْ حَشا مَريَمَ العَذراء هيَ في مَركَزِ الإِهتِمام كَالنَّارِ مُشتَعِلَةً بِالحُبّ، وَكَالنُّورِ تَجذُبُ إِلى المَعرِفَة. أَوَّلًا نرى الإِهتِمام مِنْ قِبَلِ الثَّالوثِ الأَقَدس، ثانِيًا مِنْ قِبَلِ شَهادَتَيْ عامودَيْ الإِيمانِ وَالعَقيدَة في العَهدِ القَديم موسى وَإِيلِيَّا، وَثالِثًا مِنْ قِبَلِ التَّلاميذِ الثّلاث: بُطرُس وَيَعقوب وَيوحَنَّا. مِنْ جِهَةِ الثَّالوث الأَقَدس تَجَلَّت أُلوهَةِ الإِبن في الطَبيعَة البَشَرِيَّة الضعيفَة، بِشَهادةِ صَوتِ الآبِ وَغمَامَةِ الرُّوح. مِنْ جِهَةِ موسى وَإِيلِيَّا كانا يَنظُرانِ إِلى أُلوهِيَّةِ الإِبن في إِنسانِيَّتِهِ وَيَشهَدانِ عَلى ما سَتُعانيهِ طَبيعَتَهُ البَشَرِيَّة مِنْ آلامٍ مُبرِحَةٍ تَصِلُ بِها إِلى المـَوتِ على الصّليب. مِنْ جِهَةِ التّلاميذِ الثّلاث تَذَوَّقَتْ قُلوبَهُم حَقيقَةً مِنْ عالَمٍ آخَر، لَكِنَّهُم لَمْ يَستَطيعوا إِدراكَها، فانطَبَعَ فيهِم ثَلاثَةُ أُمورٍ: تَحَوُّل يَسوع في المـَظهَر وَرؤيَة موسى وَإِيليَّا. سماع صَوت الآب: “هذا هوَ ابني الحَبيب، فَلَهُ اسمَعوا”. وَأَخيرًا مُشاهَدَة يَسوعَ لِوحدِهِ في طَبيعَتِهِ البَشَرِيَّة.

إِنطِلاقًا مِنْ مَركَزِيَّة شَخصِ المـَسيح وَالَّذي اقتَبلناهُ في المـَعمودِيَّة، يُصبِح حُضورَهُ في إِنسانِيَّتِنا هوَ المـَركَز وَالمـِحوَر الأَساسيّ في صَلاتِنا الشَّخصِيَّة. عِندَما نَلوجُ إِلى أَعماقِ قُلوبِنا سَنَرى مِنْ خِلالِ طَبيعَتَنا البَشَرِيَّةِ هَذِهِ الضّعيفَة سِماتَ الفِداءِ وَالقِيامَة، وَأَيضًا سَنرى فينا تَجَلِيَّاتِ مَواهِبِ الرُّوحِ القُدُس. هذا ما يَجعَلُنا نُعطي قيمَةً قِياسِيَّة للصَّلاةِ في حَياتِنا الشَّخصِيَّة، لِأَنَّنا مِنْ دونِها وَمِن دونِ قُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ لَنْ نَتَمَكَّنَ مِن مُشاهَدَةِ جَمالَ اللهِ النُّورانيّ فينا. وَلَن نَستَطيع أَن نَفهَمَ وَنُدرِكَ أَنَّنا هياكِلَ الرُّوحِ القُدُس، وَأَجسادُنا هيَ مَركَزُ اهتِمامٍ عِندَ اللهِ وَقَد أَعَدَّها لِلمَجدِ وَالقَداسَة.

تَمامًا كَما كانَ يَسوعُ هوَ السَبَبَ وَالهَدَف وَالمَركَز في التَّجَليّ، ما زالَ هوَ نَفسُهُ في سِرِّ القُربانِ المـُقَدَّس. في الإِفخارِستيَّا تَتَحَوَّلُ أَعراضُ الخُبزِ وَالخَمر بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس إِلى جَسَد وَدَم المـَسيح الفادي وَالمـُخَلِّص وَالمـُمَجَّد، لَكِنَّ عُيونَنا تَبقى مُغلقَةً عَلى إِدراكِ هَذِهِ الحَقيقَة إِلى أَن تَحِلَّ النِّعمَةَ في قُلوبِنا. في كُلِّ مَرَّةٍ نُشارِكُ في القُدَّاسِ الإِلَهيّ نَكونُ مِثلَ التّلاميذ الثّلاث عَلى الجَبَلِ في حَضرَةِ اللهِ، وَتَأخُذُ قِراءات الكِتاب المـُقَدَّس مَكانَةَ موسى وَإِيليّا لِكَيْ نَنْظُرَ إِلى مَنْ نَسمَع كَلامَهُ وَنَتَناوَل جَسَدَهُ، ما سَيَصنَعَهُ فينا مِنْ تَحَوُّلٍ جَوهريّ في طَبيعَتِنا الضّعيفَة، في كُلِّ مَرَّةٍ نَتَّحِدُ فيهِ. مِن هُنا عَلَينا أَن نَطلُبَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس عَطِيَّةَ الصَّلاةِ بِلَجاجَةٍ وَصِدقٍ وَحَرارَةٍ لِكَيْ نَختَبِرَ وَنَعيشَ سِرَّ المـَسيحَ فينا، فَيَتَجَّلى حُضورُهُ لَنا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!