موقع Allah Mahabba موقع Allah Mahabba معموديّة يسوع بابُ الملكوت!
تُقدّمُ لنا الأناجيل الأربعة دعوة يسوع النّاصريّ، كربٍّ ومُعلّمٍ في إسرائيل إنطلاقًا من حدث عماده على يد يوحنّا المعمدان في نهر الأُردن، لتُؤكّد على هُويّته أنّهُ إبنُ الله الحيّ، وهو المـسيحُ المـُنتظر المـمسوح لا بالزّيت وعلى يد البشر، بل بالرُّوح القُدُس. كما نرى أيضًا أنّ رسالة ودعوة يوحنّا المعمدان، كانت إعدادًا أساسيًّا وضروريًّا لتقديم رسالة ودعوة الرّبّ يسوع. من هُنا نفهم لماذا يُعَدُّ يوحنّا المعمدان خاتمة أنبياء العهد القديم، وهو بمثابة النّبيّ إيليّا بغيرته الرّسوليّة، ونفهم أيضًا لماذا سُمّي “بالسّابق” طبقًا لقول النّبيّ أشعيا: “هاءنذا أُرسلُ رسولي قُدّامك ليُعد الطّريق أمامك”.
لا يتوقّف حدثُ معموديّة يسوع بالماء على يد يوحنّا المعمدان عند حدَثٍ طقسيّ كان معروفًا ومشهورًا في حينه إلى حدٍّ كانت اليهوديّة تخرُجُ كُلُّها لاقتبالها من المعمدان، لا بل تتضمّن هذه المـعموديّة برُموزها ومعانيها مضمون رسالة الرّبّ يسوع، فأتت بمثابة مـُقدّمة مُباشرة لها.
يُخبرُنا الإنجيليّ لوقا في بشارته أنّ النّاس بأجمعهم كانوا في حالة انتظارٍ لمجيء “المـشيحا”، ممّا دفعهُم ليكونوا على أُهبة الإستعداد من خلال قبول معموديّة التّوبة على يد يوحنّا المـعمدان. يحتلُّ الإنتظارُ مكانةً مُهمّةً في إنجيل لوقا، فيوم كان زكريّا الكاهن أمام مذبح البخّور، كان الشّعبُ كُلُّه في انتظار. يتكرّرُ الموقف مع إبنه يوحنّا الّذي هو أيضًا من سبطٍ كهنوتيّ، ولكن ليس في هيكل أُورشليم، إنّما في البريّة وعند مجرى نهر الأُردُن. إنّهُ إنتظارُ العُبور من الإنسان القديم إلى الجديد. ومن عُبوديّة الخطيئة، إلى حُرّيّة النّعمة. فكيف لهذا الشّعب المـُنتظِر أن يعبُر، ما لم يكُن هُناك من مُخلّصٍ على مثال موسى ويشوع بن نون ليوصِلَهُ إلى أرض الميعاد؟!
إنطلاقًا من هُنا، نستطيع أن نفهم جوهر معموديّة الرّبّ يسوع. أوّلًا تأتي المعموديّة ضمن سياق جواب الله على إنتظار البشريّة للخلاص. ثانيًا يخرُج يسوع من قلب الشّعب المُـنتظِر، دلالةً على أنّهُ فردٌ من هذا الشّعب الخاطئ، وقد انتمى إليه في التّجسُّد، وهو يحملُ كامل الطّبيعة البشريّة، ما عدا الخطيئة، بشهادة يوحنّا المعمدان نفسُه. ثالثًا تَقدُّم يسوع إلى المعموديّة كان بمثابة تسليم حياته بالكامل من دون أيّ شرطٍ أو قيدٍ للآب السّماويّ حتّى قبول كأس الألم والمـوت. من هُنا معموديّة يوحنّا صحيحٌ أنّها تُذكّرُ شعب الله بعبوره السابق مع موسى للبحر الأحمر؛ فمع يسوع أصبحت تعني العُبور من المـوت إلى الحياة. من هُنا تُصبحُ المعموديّة مُقدّمةً صريحة لسرّ صليب المـسيح، لموتهِ وقيامَتِه. رابعًا، نُشاهدُ يسوع في المعموديّة بموقف صلاةٍ تمامًا مثلما سنراهُ على الصّليب. موقفُ يسوع المـُصلّي يُؤكّد على هُويّته كإبنٍ لله، فهو لم ينزل عليه الرُّوح القُدُس من دون أي فعل إرادةٍ منهُ، ولم يُسمع صوتُ الآب من دون أيّ حوارٍ بينهُ وبين الإبن. هذا الفعل كان تأكيدًا على أزليّة الإبن في جوهر الثالوث الأقدس، أمّا ظاهرُ الحدث كان يعني “الظهور الإلهيّ” – “الإبيفانيّة” للبشر.
في معموديّة يسوع نرى أنّ السّموات قد فُتِحَت بقُوّة صوت الآب، أي بفعل تنازُل وتجسُّد “الكلمة” الرّبّ يسوع. لقد جاء يسوع ليكشف لنا سرّ الله المـكتوم. مع يسوع لم تعُد السّمواتُ مُغلقة، ولم يعُد اللهُ إلهًا مجهولًا وبعيدًا وسرًّا غير معلومٍ. مع يسوع فُتحت السّموات، لكي تستطيع البشريّة العُبور إليها، وذلك بواسطة غاية معموديّته الثانية وهي الموت على الصّليب، تحقيقًا لسرّ الفداء بهدف منح الخلاص والقيامة. في معموديّة يسوع نُشاهدُ حُلول الرُّوح القُدُس بصورةٍ مرئيّة كأنّهُ “حمامة”. لهذا التّصوير غايةً روحيّة تُذكّرُ بطوفان نوح الّذي يعني تجديد وجه الأرض، وتُذكّرُ بالحمامة الّتي تحملُ غصن الزّيتون، تلك الشّجرة الّتي ترمُزُ إلى البركة وإلى القداسة. فمع يسوع تُعطى كُلّ مواهب الرُّوح القُدُس، وبه وفيه تتحقّقُ كُلّ الأسرار المـُقدّسة. حُلول الرُّوح القُدُس على إنسانيّة يسوع، هو بمثابة التّثبيت لرسالته كمسيحٍ وربّ.
أخيرًا نسمعُ صوت الآب مُدوّيًا كما الرّعد على جبل سيناء: “أنت ابني الحبيب، عنكَ رضيت”. يُعيدُنا هذا الصوت إلى مضمون المـزمور الثّاني، وبقول الآب مع حُلول الرُّوح القُدُس يشهدان على طبيعة يسوع الإلهيّة. فالمـسيحُ الّذي ننتظرُهُ ليس مُخلّصًا بشريًّا، بل هو الكلمة المـُتجسّد، الّذي بخلاصه لنا أعطانا هُويّتهُ فأصبحنا به وفيه ومعهُ أبناءً وبناتًا أحبّاءً لله الآب. لقد أُعطينا الرُّوح القُدُس ليصرُخ فينا: “أبّا أيُّها الآبُ”، فعلينا أن نُحيي لاهوتهُ فينا. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!