موقع Allah Mahabba يَسوع يُسأَل عَنْ فَهمِهِ وَمَعرِفَتِهِ للوَصايا!
أَثارَ الرَّبُّ يَسوع جَدَلًا واسِعًا حَولَ شَخصِيَّتِهِ وَمَصدَرَ تَعليمِهِ وَأُسلوبَ عَيشِه كَمُعَلِّمٍ في إِسرائيل. انقَسَمت الآراءُ حَولَهُ، وَتَسأَلَ الكَتَبَةُ وَالفَرِّيسِيّونَ وَالصدّوقِيّونَ وَجَماعَةُ قُمران، بِالإِضافَةِ إِلى الأَحبارِ وَالكَهَنة وَمَعَهُم المـَلِكِ هيرودوس وحاشِيَتِهِ والشّعبَ كُلَّهُ. لَقَد ذاعَ صيتُهُ في إِسرائيل لِأَنَّهُ كانَ يُعَلِّمُ بِذاتِ سُلطان. السُؤالُ الَّذي يُطرَح مِن أَينَ جاءَ يَسوع بِتَعليمِهِ؟ وَكَيفَ يَفهَم وَيُفَسّر الكُتُب المـُقَدَّسَة؟
عِندَما نَتَصَفَّح الإِنجيل، نَرى أَنَّ يَسوعَ مُنذُ نُعومَةِ أَظفارِهِ تَعَلَّم التّوراة مِثلَ كُلِّ يَهوديّ وَفي سِنِّ الثانِيَةَ عَشَر، أَصبَحَ إِبنًا للشريعَة. كانَ لَدَيهِ الرَّغبَةَ أَن يَستَمِرَّ في تَعَلُّم الكُتُبِ المـُقَدَّسَة وَلَكِنَّهُ عادَ طائِعًا مَعَ والِدَيهِ إِلى الناصِرَة. بَعدَ المـَعمودِيَّةِ نَراهُ يَدخُلُ إِلى مَجمَعِ النَّاصِرة لِيَقرَأ وَيُفَسّر الكِتاب. مِن خِلالِ لِقاءِ نيقوديمُس بِهِ نَكتَشِف أَنَّ يَسوع مِنْ جِهَةٍ أَبحَرَ في تَعَلُّم وَفَهم الكِتاب المـُقَدَّس بِجَهدٍ إِنسانيٍّ شَخصيّ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخرى عَلاقَتَهُ الحَميمَة بِالآبِ السّماويّ، جَعَلَتْهُ يُعَلِّم وَيُفَسِّر بِذاتِ سُلطانٍ مِنْ عَلو بِقوَّةِ الرّوحِ القُدُس.
إِذًا يَسوع لَمْ يَكُنْ كَسائِر الرَّابِيّنَ في إِسرائيل، وَلَمْ يَكُنْ هَدَفُهُ أَنْ يَكونَ مُجَرَّدَ مُعَلِّمٍ لَدَيهِ مَوقِعًا في المـُجتَمَع وَفي المـَجامِعِ وَيَتبَعْهُ بَعضًا مِنَ التّلاميذ، لا بَلْ أَرادَ أَن يَعكُسَ تَعليمَهُ وَفَهمَهُ لِلكِتابِ المـُقَدَّس مِنْ خِلالِ نَهجِ حَياتِهِ القائِم عَلى المـَحَبَّةِ وَالخِدمَة وَصُنعِ الخَير. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا اهتِمامَهُ بِالكِتابِ المـُقَدَّس لا يَرتَكِز عَلى فَهمِ صِياغَتِهِ وَأُسلوبِهِ الأَدَبيّ والتاريخيّ، بَلْ لِفَهم تدبير الله الخَلاصيّ، وَمَعرِفَةِ مَشيئَتِهِ الإِلَهيَّة على حَياةِ الإِنسانِ للعَمَلِ بِها.
عِندَما سَأَلَهُ أَحَدُ الكَتَبَة عَنْ أَعظَمِ الوَصايا بَينَ الوَصايا، أَعطاهُ الإِيجابَةَ الصّحيحَة مُستَنِدًا عَلى مَرجَعِها في التوراة. لَم يَكُنْ السُؤالُ صَعبًا، لا بَل عَلى العَكسِ بَديهيًّا وَسَهلًا حَتَّى عَلى كُلّ طُفلٍ يَهوديّ، وَلَكِن المـُمَيَّز بِإِيجابَةِ يَسوع هوَ أَنَّهُ رَبَطَ الوَصِيّةَ الأُولى بِالثانيَة: مَحَبَّة الله تَعني أَيضًا مَحَبَّة القَريبِ. لَمْ يَكُن جَوابُ يَسوع مُجَرَّدَ رَدٍّ على سُؤالٍ بَل كانَ انعِكاسًا حَقيقيًّا عَنْ إِيمانِهِ وَعَنْ إِلتِزامِهِ وَعَنْ شَخصِيَّتِهِ المُصقَلَة بِالمـَحَبَّة.
لَقَد أَعطى يَسوع لسائِلِه بِجَوابِهِ انطِباعًا قَوِيًّا وَمُؤَثِّرًا، عَنْ مَحَبَّتِهِ للهِ، وَعَنْ مَعرِفَتِهِ لَهُ، وَعَنْ عِبادَتِهِ لَهُ، الَّتي تَتَجَلّى مِنْ خِلالِ مَحَبَّتِهِ للقَريب. هذا ما جَعَلَ كاتِبَ الشريعَة بِسَبَبِ تَأَثُّرِهِ يُثني عَلى جَوابِ يَسوع مُؤَكِّدًا أَنَّ المـَحَبَّةَ هيَ الأَعظَم مِنْ كُلّ التقادِم وَالذَبائِح وَالمُحرَقات. لَقَد التَقيا يَسوع وَكاتِبُ الشَّريعَة حَول مَركَزِيَّة المـَحَبَّة كَوَصِيَّةٍ إِلَهِيَّة. في وَقتٍ كانَ الكَثيرونَ مِنَ الرَّابِييّن يَجتَهِدونَ لِيُظهِروا مَعرِفَتَهُم للشّريعَة وَذَكاءَهم الشّخصيّ، كانَ الرَّبَّ يَسوع يَكرِزُ في المـَحَبَّة.
إِنطِلاقًا مِن هُنا، يَدعونا يَسوع لِنَتَعَرَّف عَلى الكِتاب المـُقَدَّس، مُتَّبِعينَ شَخصَهُ، هادِفينَ لِمَعرِفَةِ مَحَبَّةِ اللهِ لَنا، وَلِكَيْ نَتَعَلَّم بِدَورِنا أَنْ نُحِبَّ اللهَ وَنُحِبَّ القَريب. يُعَلِّمُنا يَسوع أَن نَتَجَنَّبَ الدُخول في المـُجادَلات وَالمـُماحَكاتِ العَقيمَة الَّتي تُصبِحُ عَقَبَةً لِعَقلِنا لِيَقبَلَ مَحَبَّةَ اللهِ، وَحاجِزًا يَمنَعُنا مِنْ قَبولِ مَنْ يَختَلِف عَنَّا بِالرَّأي وَالتَوَجُّه وَالمـُعتَقَد.
إِنَّ أَساسَ دَعوَتَنا المـَسيحيَّة يَرتَكِز عَلى المـَحَبَّة. نَسمَع القِدّيس أُغوسطينُس يَقول: “أَحبِب وَافعَل ما تَشاء”. مُضَمِّنًا هذا القَول أَنَّ المـَحَبَّة الحَقيقيّة تَجعَلُنا نَتَجَنَّبَ الشَّرَّ وَنَصنَعَ الخَير. تُساعِدُنا أَن نُمَيِّزَ أَفعالَنا، وَأَن نَتَوَجَّه دائِمًا إِلى الله. المـَحَبَّة تَجعَلُنا نَلطُف بِالقَريب، فَنُظهِرَ مَوَدَّتَنا وَاحتِرامَنا وَتَقديرَنا لَهُ. المـُعضِلَة الَّتي نَختَبِرُها وَنَعيشُها بِالإِجمال هيَ أَنَّنا نَعرِفُ أَنَّنا مَدعوّينَ لِنُحِبَّ اللهَ وَالقَريب، وَلَكِنْ نَجِد أَنَّنا لَعاجِزينَ عَنْ ذَلِكَ. يَعودُ الأَمرُ إِلى سَبَبَين: أَوَّلًا، مَعرِفَتَنا الخاطِئَة أَو الناقِصَة عَنْ الله واختِبارِنا لِمَحَبَّتِهِ. ثانِيًا، ضعف إِيمانِنا وانغِماسِنا بِهُمومِ العالَم الَّذي يَجعَلُنا بِحالَةٍ مِنَ الضياع والشَكّ.
فَلنَطلُب مِنَ الرَّبَّ يَسوع أَن يُحَرِّرَ عَقلَنا منْ قُيودِ الأَحكامِ المُسبَقَة عَلَيهِ وَعَلى الآخرين، وَأَن يُعيطنا نِعمَةَ أَن نُحِبَّهُ فَوقَ كُلِّ شَيء، وَأَن نُحِبَّ الآخَرينَ وَفقًا لِمَشيئَتِهِ. آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg
شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!