تابعونا على صفحاتنا

مقالات

“فَمنذُ بَدءِ الخَليقَة، جَعَلَهُما اللهُ ذَكَرًا وَأُنثى”

مَعَ تَوَسُّع شَبَكَة الإِنتِرنيت وَالإِتِّصالات أَصبَحَت البَشَرِيَّة عَلى مَعرِفَةٍ وَلَو جِزئِيَّة بِالتَّنَوُّعٍ الهائِل بَينَ الشعوبِ لِما لَدَيها مِنْ ثَقافاتٍ وَعاداتٍ وَتَقاليدٍ وَطُقوسٍ وَقُدسِيّاتٍ مُختَلِفَة. هذا الواقِع جَعَلنا بِحالَةِ حَيرَة، في بَحثِنا عَنْ الحَقيقَة الواحِدَة. حَدا بِبَعضِ المـُفَكّرينَ وَالفَلاسِفَة على اختِيارِ النِّسبِيَّة بدَلًا مِنْ الحَقيقَة الواحِدَة. هذا يَعني كُلُّ شَخصٍ يَختارُ ما يَجِدُهُ مُلائِمًا لَهُ، وَما يُوافِق حُرِّيَّتَهُ وَرَغبَتَهُ الخاصَّة. هذا النَّوع مِنَ التَّفكير قَدْ ضَرَبَ بِالصّميمِ مَكانَة العاداةِ وَالتقاليد وَهَدَّدَها بِالزَّوال.

روحُ وَفِكر النِّسبِيَّة، جَعَلَ مِنَ الإِنسانِيَّةِ بِحالَةِ فُتورٍ وَلامُبالاةٍ، لِكَونِها ما عادَت تَستَطيع أَن تُمَيِّزَ الخَيرَ العامْ مِنْ مُنطَلَقِ الشّريعَةِ الإِلَهِيَّة وَأَصلِ وُجودِ الأَشياء. روحُ العَولَمَةِ جَعَلَ مُؤَسَّسَةَ الزَّواج مُهَدَّدَة، وَجَعَلَ هُوِيَّةَ الشَّخص بِطَبيعَتِهِ الجنسِيَّةِ أَيضًا مُهَدَّدَة. في عالَمِ اليَوم لَم يَعُد الإِنسان باستِطاعَتِهِ أَن يُحَدِّدَ هُوِيَّتَهُ الجِنسِيَّةِ مَثَلًا في سِنِّ المـُراهَقَة، لِأَنَّهُ مَعَ انتِشارِ النسبِيَّة، صارَ يَصعُبُ عَلى الإِنسانِ أَنْ يَجرُجَ مِنْ حالَةِ الضياعِ وَالمـُراهَقَة وَإِن تَقَدَّمَ بِالعُمْر.

ما زالَت الكَنيسَة في عالَمنا المـُعاصِر اليَوم، تَرفَعُ الصَّوتَ مُنادِيَةً بِتَعليمِ الرَّبَّ يَسوع، لا دِفاعًا عَلى عاداتٍ وَتَقاليدَ بِوَجهِ النّسبيَّة، وَلا تَمَسُّكًا بِفِكرٍ إِيديولوجيٍّ عَقائِديّ للتَّعبيرِ عَنْ مَفهومٍ خاصّ حولَ الشّخصِ البَشَريّ، بَلْ إِعلانًا للشّريعَة الطَبيعيَّة، بِحَيثُ يَقولُ الرَّبُّ: “مُنذُ بَدءِ الخَليقَة، خَلَقَهُما اللهُ رَجُلٌ وامرَأَة”. هَكَذا نَكتَشِفُ أَنَّ الشريعَةَ الطَبيِعيَّة هيَ أَيضًا من ضمنِ الشريعَة الإِلَهيَّة الّتي مِنْ خِلالِها يَكتَشِفُ الكائِنُ البَشَريّ هوِيَّتَهُ وَغايَة وجودِه القُصوى.

في وَقتٍ نَكتَشِف تَحَلُّلًا أَخلاقِيًّا يَتَمَدَّدُ في كافَّةِ المـُجتَمَعاتِ وَالثّقافات بِسَبَبِ ضَربِ المـَفاهيمِ بمَعانيها الصَحيحَة، وَبِهَدَفِ ضَرب القِيَم الإِنسانِيَّة، لِكَيْ تُقَلَّص وَتَقِلُّ قيمَةِ الإِنسانِ كَمَخلوقٍ عَلى صورَةِ اللهِ كَمِثالِه، خِدمَةً فَقَط لِلحُرّيَّة النِّسبِيَّة، نَحنُ كَمُؤمِنونَ مَسيحيّيون مَدعُوّونَ مِنْ جَديد إِلى التَّعَمُّقِ في فَهمِ تَعليمِ الرَّبّ يَسوع، وَدَعوَتِهِ الخَلاصِيَّةِ لَنا، لِكَيْ نَثبُتَ على الحَقّ وَنَكونَ شُهودًا لَهُ.

أَكبَرُ حَرْبٍ تُشَنُّ اليَوم في العالَم، وَبِشَكلٍ صامتٍ هيَ على مَفهومِ الزواج وَالعائِلَة، بَدءًا مِنْ الهُوِيَّة الجِنسِيَّة، إِلى الحُرِيَّة الشّخصِيَّة. لَيسَ الخَلَلُ في الزواج كَمُؤَسَّسَة وَكَدَعوَة مَسيحيّة للقداسَة، إِنَّما يَأتي الخَلَلْ مِن فُقدانِ المـعنى وَالقيمَة الروحيَّة للزَّواج. هذا الأَمر يَستَدعي نُضجًا روحِيًّا. لا يَقومُ مَفهومُ الزواج في الإِيمانِ المـَسيحيّ، فَقَط عَلى رَغبَةٍ جامِحَة وَعَلى المـَحَبَّة بَينَ رَجُلٍ وَامرأَة، بَلْ هيَ تَقومُ عَلى أَساس أَنَّها دَعوَةٌ مِنَ الرَّبّ، وَمَشروعَ قَداسَة. لِذَلِكَ لَيسَ الزَّواجُ حَقلَ اختِبارٍ إِمَّا أَنجَح فيه أَو لا، بَل هوَ خَيارٌ حُرّ يَقومُ عَلى التَّمييز وَعلى المـُشارَكَة وَعلى المـَسؤولِيَّة في مَسيرَةٍ تَستَدعي دائِمًا مَشورَةَ الرُّوحِ القُدُس وَطَلَبِ النِّعمَة الإِلَهِيَّة.

إِنطِلاقًا مِن هُنا، نَفهَم لِماذا يُعارِضُ الرَّبَّ يَسوع الطَّلاق مِن مُنطَلَقِ قَساوَةِ القَلب، الَّتي تُشيرُ إِلى الأَنانِيَّة وَإِلى عَدَم النُّضوجِ الرُّوحيّ. في وَقتٍ كانَت اليَهودِيَّة تَسمَح بِتَعَدُّدِ الزيجات، نَرى الرَّبَّ يَسوع بِتَعليمِهِ حَولَ مَفهومِ الزَّواجِ، يَحفَظُ كَرامَةَ الرَّجُلِ وَالمـَرأَة الَّتي تَعلو عَلى سُنَنِ وَشَرائِعِ البَشَر. لَيسَ الإِنسانُ سِلعَةً لِلإِختِبار المـُؤَقَّت، وَلَيسَ الزَّواجُ خِبرَةً تُعاشُ لِوَقتٍ مُحَدَّد تَخضَع لِلمَشاعِرِ وللظُّروفِ وَالأَحداث. أَصبَحَ الزَّواجُ مَع الرَّبَّ يَسوع “سِرًّا” أَيّ نَهجَ حَياةٍ تُعاشُ فيهِ القَداسَة، مِنْ خِلالِ المَحَبَّة وَالخِدمَة وَالعطاء وَالتَّضحِيَة وَالإِحتِرام، إِنطِلاقًا مِن التَّطَلُّع الدَّائِم لِمَن يَجمَع وَلا يُفَرِّق، آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!