تابعونا على صفحاتنا

مقالات

لِماذا على المسيح إبنِ الله أن يُعاني الآلام؟!

كُلُّ شَخصٍ مِنَّا، عِندَما يَشعُر بِتَطَوُّر عَلاقَتِهِ مَع مَنْ يُحِبُّهُم يَرغَب أَن يَعرِف مَكانَتَهُ في حَياتِهِم، وَإِلى أَيِّ حَدٍّ تَوَصّلوا مِنْ مَعرِفَتِهِم لَهُ، وَمَنْ فَهمِهِم لِمَحَبَّتِهِ لَهُم. هذا ما نراهُ جَلِيًّا وواضِحًا في عَلاقَةِ الرَّبَّ يَسوع مَع تَلاميذِه، عِندَما سَأَلَهُم عَمَّن هوَ بِالنِّسبَةِ لَهُم. يَبقى أَنَّ هذا السُّؤال لا يَقِف عِندَ هَذِهِ العَلاقَة الحَصرِيَّة، بَلْ هوَ يَعني كَشف الهُوِيَّة المـَسيحانِيَّة الَّتي كانَتْ ما زالَت مُلتَبَسَة في الفِكر وَاللّاهوت اليهوديّ.

عَرَفَت الدّيانَة اليَهودِيَّة تَيّارانِ لاهوتِيّين يَخْتَلِفانِ مَعَ بَعضِهِما البَعض في فَهمِ هوِيَّةِ المـَسيح. التَيّار الفَرّيسيّ وَالصدوقيّ وَمَعَهُمْ الأحبار وَالكَهَنة، الَّذينَ كانوا يَنظرونَ إِلى المـَسيح عَلى أَنَّهُ المـَلِك الَّذي سَيُحَرّر إِسرائيل مِن الإِحتِلال الرّومانيّ، وَيَبسُط مُلكَهُ الزّمنيّ. بينَما تَيّار جَماعَةُ الإِسّينيّين، وَالَّذي كانَ يوحَنّا المـَعمَدان واحِدًا مِنْهُم، يَعتَقِدونَ أَنَّ المـَسيح وَفقًا لِنَبُؤَةِ أَشَعيا، هوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي سَيَرفَع خَطيئَةَ العالَم. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا نَستَطيعُ أَن نَفهَمْ لِماذا يَسوع سَأَلَ تَلاميذَهُ عَمَّن هوَ في قَولِ النَّاس، وَعَمَّن هوَ بِالنِّسبَةِ لَهُم.

مَع إِعتِراف الرُّسُل عَلى لِسانِ سِمعان بُطرُس أَنَّهُ مَسيحُ اللهِ، نَكتَشِفُ أَمرًا بِغايَةِ الأَهَمِّيّة لِعَلاقَتِنا بِالرَّبّ وَلِنُموِّنا الرُّوحيّ. مِثلَما النَّاس لَم يَستَطيعوا أن يَعرِفوا يَسوع عَلى أَنَّهُ المـَسيحُ ابنُ اللهِ، وَبَقِيَ بِالنِّسبَةِ لَهُمْ شَخصِيَّةً مَرموقَة مِثلَ شَخصِيّاتِ أَنبِياءِ العَهدِ القَديم، كَذَلِكَ نَحنُ سَيَبقى لَنا شَخصًا مِثالِيًا، إِذا لَمْ نَدخُل في عَلاقَةٍ وَطيدَةٍ مَعَهُ، تَسمَح لَنا أَن نَعرِفَهُ، وَنَعرِفَ مَحَبَّتَهُ لَنا. إِنطِلاقًا مِنْ هُنا الإِيمان أَنَّ يَسوع هوَ المَسيحُ وابنُ اللهِ حَقًّا، يَستَدعي مِنَّا اختِبارًا شَخصِيًّا.

كُلُّنا نُواجِهُ خَيبَةَ أَمَلٍ مَعَ الرَّبَّ يَسوع، وَذَلِكَ لِأَنَّنا نَنظُر إِلَيه عَلى أَنَّهُ شَخصٌ خارِق، فَهوَ رَجُلُ المـُعجِزاتِ وَالعَجائِب، بَينَما عِندَما نُصغي إِلَيهِ يُعَلِّمُ تَلاميذَهُ أَنَّ ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يُعاني آلامًا شَديدَة، نَتَعَلَّم كَيفَ أَنَّهُ حُبًّا بِنا صارَ إِنسانًا وَقَبِلَ حالَةَ إِنسانِيَّتِنا الهَشَّة وَالضّعيفَة القابِلَة لِلأَلَمِ وَالمـَوت.

ما لا يَستَطيعُ عَقلُنا أَو مَنطِقُنا البَشَريّ أَن يَقبَلَهُ هو دَمجُ التّناقُدات، ما بَينَ أُلوهِيَّةِ الرَّبَّ يَسوع كَإِبنٍ لله، الَّذي يَسمو على الضُّعف وَالأَلَم وَالمـَرَض وَالإِهانَة، وَبَينَ إِعلانِهِ أَنَّ دَعوَتَهُ المـَسيحانِيَّة تَقومُ عَلى قَبول الضعف والأَلَم وَالإِهانَة وَالمـَوت في شَخصِه. هذا ما يُعَرِّضُ فِكرَنا للشَّكِ وَالتَّساؤُلنا، وَقَدْ يَفتَحَ لِقَلْبِنا بابًا للإِيمانِ بِقُدرَةِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ اللَّامُتناهِيَة.

إِنطِلاقًا مِنْ هُنا، نَكتَشِف أَنَّ الرَّبَّ يَسوع كانَ مِن مُؤَيّدي نَظرَة الإِسّينيّينَ للدَعوَة المـَسيحانِيَّة، وهذا ما أَرادَ أَن يُفَسِّرَهُ وَيُعَلِّمَهُ لرُسُلِهِ التّلاميذ. وَلَكِن يَبقى السُّؤال، لِماذا يَجِب عَلى ابنِ الإِنسانِ أَن يَتَأَلَّم وَيُقتَل وَيَقومَ في اليَومِ الثالِث؟ لِماذا عَلَيهِ أَن يَعيشَ مُعاناةِ الإِنسانِيَّة الَّتي تَعرِفُ الأَلَمَ وَالمَـوت. الجَوابُ الَّذي نَأخُذُهُ يَتَأَتّى مِن مَعنى الخَلاص الَّذي حَقَّقَهُ الرَّبَّ يَسوع بِالفِداء. في وَقتٍ نَحنُ نَرغَب وَنُريدُ التَحَرُّرَ مِنَ الأَمراضِ وَالأَوجاعِ وَالموت في حَياتِنا الزَمَنيَّة، نَرى يَسوع مِن خِلالِ تَبَنِّيهِ لحالَتِنا الإِنسانِيَّة بِكُلِّ ما فيها مِنْ مُعاناةٍ وَشَقاء، يَجعَل مِنها طَريقًا لِلمَلَكوتِ الأَبَديّ. بالتّالي تُصبِح هَذِهِ لَنا عَلى الرُّغمِ مِن زَوالِها، وَسيلَةَ تَطَهُّرٍ وَاستِعدادٍ لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة.

نَخلُص لِنَقول أَنَّ فِعلَ التَّعاضُدِ التَّام الَّذي قامَ بِهِ الرَّبَّ يَسوع مَعنا، أَصبَحَ لَنا وَسيلَةً تُرينا بِالإِيمانِ مَسحَةَ حُضورِهِ في حَياتِنا، لِئَلَّا نَسعى خارِجَ إِنسانِيَّتِنا الضّعيفَةَ بَحثًا عَنْهُ، بَلْ نَخرُجُ مِنْ خَيبَةِ الأَمَلِ البَعيدَة عَن مَشيئَةِ اللهِ وَتَدبيرِهِ الخَلاصيّ لَنا. آمين.

تابعوا قناتنا

https://www.youtube.com/AllahMahabbaorg

شكراً لزيارة موقعنا. ندعوك لمشاركة هذه المقالة مع أصدقائك ومتابعة “الله محبّة” على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك وانستغرام ويوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت وخاصّة في لحظات الخوف والألم والصعاب. ليباركك الربّ ويحفظك، ليضئ بوجهه عليك ويرحمك وليمنحك السّلام!