موقع Allah Mahabba – عند أقدام الصّليب
الطوباويّان الجديدان – الجزء الرّابع
إعداد: الأخ شربل رزق الكبّوشي
إخراج: روزين صعب
الجزء الرّابع: “عند أقدام الصّليب”
“نَحنُ المـُلتَزِمونَ بِالرِّسالَة تَتَجاذَبُنا الأَمواجُ المـُختَلِفَة وَتَقذِفُ بِنا هُنا وَهُناكَ، مُتَحَمِّلينَ المـُضايَقات”؛ بِهَذِهِ الكَلِماتِ وَصَفَ الأَخ توما صالِح خِبرَةَ المـُرسَلينَ الكَبُّوشِيّين في إِرسالِيَّةِ بِلادِ ما بَينَ النَّهرَيْن، الَّتي انتَميا إِلَيْها هوَ وَرَفيقَ دَربِهِ الأَخ ليونار عويس ملكي. لَم تَكُنْ الحَقَبَةُ الَّتي عَاشَاها في شَبابِهِما هانِئَةً وَمُطمِئَنَّةً، إِنَّما عَرَفَا الكَثيرَ مِنَ المـُضايَقاتِ الَّتي أَودَت آخِرَ المـَطافِ إِلى مَخاضٍ عَسير على مُستَوَياتٍ شَتَّى عالَمِيَّة، حَيثُ تَزَعزَعَت السَّلطَنَة العُثمانِيَّةَ مِن أُسُسِها، وَكانَت وِلادَةُ الحَربِ العالَمِيَّة الأُولى. في أَجواءِ تِلكَ الأَيَّام الضَّبابِيَّةِ وَالمـُظلِمَة المـُعَدِّ لَها، كانَ عَلى المـُرسَلينَ في تِلكَ البُقعَةِ مِنَ الأَرضِ وَالَّتي عَرَفَتَ تَعَدُّداً وافِراً مِنَ الطَّوائِفِ وَالمـَذاهِبِ أَن يَشهَدوا لِمَحَبَّةِ المـَسيحِ بِالقَولِ وَالعَمَل. وَأَمامَ عُيونِهِما بَدَآ يُشاهِدان مُخَطَّطاتِ العُنفِ وَالإِضطِهادِ وَالقَتَل، فَشَعَرا فيها بِكُلِّ كِيانِهِما، وَاستَدرَكا أَنَّ أَمواجَ الشَّرّ باتَت عاتيَةً وَضارِبَة، فَلَجَآ صارِخَينِ إلى الرَّبّ يَسوعَ القُربان، مَعَ كُلِّ أَبناءِ الكَنيسَةِ مِثلَ بُطرُس: “نَجِّنا يا رَبّ”، فَكانَ لَهُما وَجهُ الحَمَلِ المـُتَأَلِّمِ تَعزِيَتَهُما الوَحيدَة في تِلكَ المِحنَة، فَشَدَّدا إِيمانَ الإِخوَةِ، كَرُعاةٍ صالِحينَ، وَواظَبا على عَيشِ أَمانَتِهِما في الرِّسالَة. فتَرَتَّبَ عَلَيْهِما أَن يُجيبا على حاجَةِ الإِخوَة وَالكَنيسَة المـُضطَهَدَة، فَفَتَحا الأَديارَ، وَالمُؤَن، وَالقلب فسمَعا لِتَنَهُّداتِ الأُمَّهاتِ، وَلِبُكاءِ الأَطفالِ، وَهُمْا يَتَأَمَّلان صَمتَ وَحُزنَ وَتَحَسُّرَ الرّجال وَالكِبار. وَعِندَما عَلا صوتُ صَفَّارتِ الإِنذارِ وَدُقَّت السَّاعَة، تَبَدَّدَ الإِخوَة الكَبُّوشِيّونَ الأَجانِبِ بسَبَبِ طِلباتِ التَّجَنُّدِ وَالإِلتِحاقِ بِالجَبَهات، فَتُرِك الأخوان توما وليونار، مِثلَما تُرِكَ يَسوع وَحيدًا في بُستانِ الزَّيتون. لَقَد أَبَيا الهُروبَ وقبلا أَن يَشربا كَأسَ الآلامِ وَالإِضطِهاد، فَتَهَيَّآ للإِستِشهادِ طَوعًا مِثلَ المُعَلِّم الإِلَهيّ الرَّبَّ يَسوع، الفَقيرَ وَالمـَصلوب. على مِثالِ الرُّسُلِ وهما المُرسلينَ، بَدا واضِحًا لَهُما: “أَنَّهُ وَجُبَ عَلَيْهِما أَن يَجتازا في مَضايِقَ كَثيرَةٍ لِيَبلُغا مَلَكوتَ الله”، وهما حاملينِ صليبَ الرّبِّ يَسوعَ المَسيح.