موقع Allah Mahabba جمعة الأُسبوع الثّاني من الصّوم الكبير
رسالة القدّيس بولس إلى أهل رومة 1: 18 – 25
يا إخوَتِي، إِنَّ غَضَبَ اللهِ يُعْلَنُ مِنَ السَّمَاءِ على كُلِّ كُفْرٍ وَظُلْمٍ يَفْعَلُهُ النَّاس، الَّذينَ يَحْبِسُونَ الحَقَّ في الظُّلْم؛
لأَنَّ مَا يُعْرَفُ عَنِ اللهِ ظَاهِرٌ لَهُم، فَٱللهُ أَظْهَرَهُ لَهُم؛
فَإِنَّ مَا لا يُرَى مِنَ الله مُنْذُ خَلْقِ العَالَم، أَيْ قُدْرَتَهُ الأَزَلِيَّةَ وأُلُوهَتَهُ، تُدْرِكُهَا العُقُولُ مِنْ خِلاَلِ مَخْلُوقَاتِهِ، لِذلِكَ فَإِنَّهُم لا عُذْرَ لَهُم؛
لأَنَّهُم، بِرَغْمِ مَعْرِفَتِهِم لله، مَا مَجَّدُوهُ ولا شَكَرُوهُ كَمَا يَلِيقُ بِالله، بَل تَاهُوا في أَفْكَارِهِم البَاطِلَة، وأَظْلَمَتْ قُلُوبُهُمُ الغَبِيَّة.
زَعَمُوا أَنَّهُم حُكَمَاء، فإِذَا بِهِم جُهَلاَء!
وٱسْتَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ المُنَزَّهِ عَنِ الفَسَادِ بِشِبْهِ صُورَةِ إِنْسَانٍ فَاسِد، وطُيُورٍ وذَوَاتِ أَرْبَعٍ وزَحَّافَات.
لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ في شَهَوَاتِ قُلُوبِهِم إِلى النَّجَاسَة، تَحْقيرًا لأَجْسَادِهِم فيمَا بَيْنَهُم.
هُمُ الَّذينَ أَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالكَذِب، فَٱتَّقوا المَخْلُوقَ وعَبَدُوهُ بَدَلَ الخَالِق، الَّذي هُوَ مُبَارَكٌ إِلى الدُّهُور. آمين.
إنجيل القدّيس متّى 18: 23 – 35
قالَ الرَبُّ يَسوع: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ.
وبَدَأَ يُحَاسِبُهُم، فَأُحْضِرَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ لَهُ بِسِتِّينَ مَلْيُونَ دِيْنَار.
وإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ دَيْنَهُ، أَمَرَ سَيِّدُهُ بِأَنْ يُبَاعَ هُوَ وزَوْجَتُهُ وأَوْلادُهُ وكُلُّ مَا يَمْلِكُ لِيُوفِيَ الدَّيْن.
فَوَقَعَ ذلِكَ العَبْدُ سَاجِدًا لَهُ وقَال: أَمْهِلْنِي، يَا سَيِّدِي، وأَنَا أُوفِيكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ.
فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وأَعْفَاهُ مِنَ الدَّيْن.
وخَرَجَ ذلِكَ العَبْدُ فَوَجَدَ وَاحِدًا مِنْ رِفَاقِهِ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِيْنَار، فَقَبَضَ عَلَيْهِ وأَخَذَ يَخْنُقُهُ قَائِلاً: أَوْفِنِي كُلَّ مَا لِي عَلَيْك.
فَوَقَعَ رَفِيْقُهُ عَلى رِجْلَيْهِ يَتَوَسَّلُ إِليْهِ ويَقُول: أَمْهِلْنِي، وأَنَا أُوفِيْك.
فَأَبَى ومَضَى بِهِ وطَرَحَهُ في السِّجْن، حَتَّى يُوفِيَ دَيْنَهُ.
ورَأَى رِفَاقُهُ مَا جَرَى فَحَزِنُوا حُزْنًا شَدِيْدًا، وذَهَبُوا فَأَخْبَرُوا سَيِّدَهُم بِكُلِّ مَا جَرى.
حِينَئِذٍ دَعَاهُ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّير، لَقَدْ أَعْفَيْتُكَ مِنْ كُلِّ ذلِكَ الدَّيْن، لأَنَّكَ تَوَسَّلْتَ إِليَّ.
أَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْتَ أَيْضًا أَنْ تَرْحَمَ رَفيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنا؟!
وغَضِبَ سَيِّدُهُ فَسَلَّمَهُ إِلى الجَلاَّدين، حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا عَلَيْه.
هكَذَا يَفْعَلُ بِكُم أَيْضًا أَبي السَّمَاوِيّ، إِنْ لَمْ تَغْفِرُوا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُم لأَخِيْه، مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُم».
التأمّل
”أَمهِلني يا سَيّدي وَأنا أُوفيكَ الدَّينَ كُلَّهُ“
يَأخُذُ الوَقتُ مَكاناً مُهِمّاً مِن حَياتِنا، إِنَّهُ العُنصُرُ الَّذي مِن خِلالِهِ نُعَبِّرُ عَن دينامِيَّة وجودِنا وَحَرَكَتِنا وَنُموّنا، وَالحالُ إِمَّا نَستَفيدُ مِنهُ أَو نُفَرِّطَ فيهِ بِعَبَثِيَّةِ الفَراغِ وَاللَّهو وَالضَّياع. مِن أَكثَرِ الأُمورِ الَّتي تَدفَعُنا إِلى الخَيارِ الثَّاني، هوَ التَّأجيل، نُمهِل أَنفُسَنا، وَنَطلُبُ مِنَ الآخَرينَ أَن يُمهِلونَنا بِدَورِهِم، فيما ضَوضاءُ العالَمِ آخِذٌ مَكانَتَهُ فينا. يُصبِحُ التَّأجيلُ حيلَةً مَتى فُصِلَ عَن أَولَوِيَّاتِنا، وَإِن أَجَلَّنا فيها نَكونُ قَد خَرَجنا عَن مَسار أَهدافِنا المـَرجُوَّة. باستِطاعَتِنا أَن نُؤَجِّلَ عَمَلاً مَا، بِسَبَبِ عَمَلٍ أَكثَرَ أَهَمِّيَّةً مِنهُ، أَمَّا الإِهمالُ بِالأَساسِيَّات وَالواجِبات، يُصبحُ اقتِرافاً لِلخَطيئَة. يَعني أَيضاً التَّأَجيلُ وَطَلَبُ المـُهلَة فُرصَةً جَديدَةً نَحصُلُ عَلَيها، بِهَدَفِ تَصحيحِ أَو إِكمال المـُسؤولِيَّة المـُتُرَتِّبَة عَلَينا، وَعِندَما لا نَستَفيدُ من هَذِهِ الفُرصَة نَكونُ قَد فَرَّطنا بِالوَقت الَّذي هوَ جِزءٌ مِن حَياتِنا، وَهذا ما لا نَستَطيعُ التَّعويضَ عَنهُ أَبَداً، لِذَلِكَ نَحنُ مَدعُوّونَ لِنَعيشَ اللَّحظَةَ الحاضِرَة، وَأَلَّا نُؤَجِّلَ عَمَلَ اليَومِ لِلغَدِ أَو لِما بَعدَهُ، فَالطُّوبى يَعيشُ الآنِيَّة.
يَا بُنَيَّ، يَومَ كُنتَ طِفلاً وَكُنتَ تَؤمُّ المـَدرَسَةَ لِتَجلِسَ على كُرسِيّ الدِّراسَة، لِتَتَلَقَّى الدُّروسَ، كان يُعطى لَكَ فُسحَةً مِنَ الوَقتِ بَينَ الحُصَّةِ وَالأُخرى لِتَرتاحَ، وَكانَ يُعطى لَكَ وَقتٌ آخَر بِهَدَفِ الإِعدادِ للإِمتِحانات. فُرصَةٌ تَأخُذُها مِن أَجلِ الإِستِجمام، وَفُرصَةٌ عَلَيكَ أَن تَقتَطِعها مِن وَقتِكَ الشَّخصيّ الَّذي يَتَرَتَّبُ عَلَيكَ أَن تُنَظِّمَهُ بِالشَّكلِ الَّذي يُساعِدُكَ على العَيشِ بِانتِظامٍ وَاعتِدالٍ وَسَلام. إِن جَعَلتَ مِن وَقتِكَ الثَّاني شَبيهًا بِوَقتِكَ الأَوَّل أَي فُسحَةَ الإِستِجمام، تَكونُ قَد اختَرتَ العَيشَ على هامِشِ الحَياة، مِمَّا يُؤَدّي لِأَن تَكونَ شَخصِيَّتَكَ أَكثَرَ فَوضوِيَّةً وَأَكثَرَ ضَياعاً، وَهذا ما نَعرِفُهُ عَن طَريقِ اختِبارِنا الواقِعيّ لِلحَياة. إِلَيكَ مِنّي مَثَلَ الخادِمِ الَّذي طَلَبَ مُهلَةً جَديدَةً عَلَّهُ يَرُدُّ دَينَهُ، مِثلَ الطَّالِبِ الَّذي يَطلُبُ مُهلَةً لِتَقديمِ امتِحاناتِهِ، فَيُعطى مِنحَةَ نَجاحٍ مَجَّانِيَّة، على الرُّغمِ مِن عَدَمِ الكَفاءَة وَالأَهلِيَّتِهِ. لَقَد فَرَّطَ بِما أَعطَيتُهُ مِن مُهلَةٍ مُرفَقَةٍ بِرَحمَتي الَّتي أَزالَت كُلَّ دَينِهِ، فَمَضى عابِثًا بِها، من خِلالِ إِدانَتِهِ العَنيفَة لِقَريبِهِ. مِن هُنا، خُذ لَكَ مِن هَذا المـَثَلِ وَمِن كُلِّ الأَمثالِ الَّتي تَختَبِرُها في واقِعِكَ عِبرَةً لِتُصَحِّحَ مَسارَكَ في عَيشِ التَّوبَة.
على وَقعِ سُؤالَ سِمعانَ بُطرُس لِيَسوع عَن الصَّفحَ وَالغُفران، أَتى رَدُّ يَسوع أَن يَكونَ الغُفرانُ دائمًا كامِلاً وَغَيرَ مَشروطٍ، بِقَولِهِ: “لا سَبعَ مَرَّاتٍ سَبعينَ مَرَّةٍ سَبعَ مَرَّات”، وَعَلَيهِ أَضافَ مَثَلَ الخادِمِ القَليلِ الشَّفَقَة، لِيُبَيِّنَ مَوضوعَينِ، هُما: رَحمَةُ اللهُ وَالدَّينونَة، وَتَجرُبَة الوَقت وَالحيلَة. مِن عَلاماتِ رَحمَةِ اللهِ، هوَ الوَقتُ المـُعطى لِكُلٍّ مِنَّا لِكَي نَعرِفَ مَحَبَّتهُ اللَّامُتَناهِيَة، وَأَن نَتَعَلَّمَ مِنهُ كَيفَ نَكونُ أَشباهَهُ. أَمَّا إِذا كانَ الوَقتُ فُرصَةً لِنَصنَعَ الخَيرَ، وَرُحنا نُفَرِّطُ بِهِ تَحتَ ذَريعَةٍ ما، حتَّى صارَ أَرضاً ليَنمو فينا الزُؤانُ أَكثَرَ مِنَ القَمحِ، لِنُؤَدّي أَعمالاً شرّيرَة مِثلَ الإِنتِقامِ وَالشَّرِّ وَالإِدانَة، نَكونُ نَحنُ مَن اختارَ الدَّينونَة، فيما اللهُ كانَ قَد عامَلَنا بِالرَّحمَة. أَبعِد عَنكَ حيلَةَ التَّأجيلِ وَاطبَع أَعمالَكَ بِالرَّحمَة.
رَبّي يَسوع، كُلَّ يَومٍ جَديدٌ هوَ مِنكَ نِعمَةٌ تَهَبُني إِيَّاها، وعَلامَةٌ على طولِ أَناتِكَ، إِذ تُعطيني الفُرصَةَ تِلوى الأُخرى، لِكَي أَعيشَ في كَنَفِ رَحمَتِكَ وَمَخافَتِكَ، لِأَعمَلَ بِحَسَبِ مَشيئَتِكَ الَّتي أَرَدتَني أَن أَعيشَها حُبّاً وَغُفراناً. فَيا سَيِّدي لا تَسمَح لأَن أَخدَعَ وَأَحتالَ على ذاتي بِتَجرُبَةِ التَّأجيل، بَل لِتُكن لَحَظاتي مَليئَةً مِن عيشي لِرَحمَتِكَ، آمين.
تابعوا قناتنا
https://www.youtube.com/channel/UCWTL4VXQh38PrPBZvVSZGDQ
شكراً لزيارة موقعنا وقراءة جمعة الأُسبوع الثّاني من الصّوم الكبير ”أَمهِلني يا سَيّدي وَأنا أُوفيكَ الدَّينَ كُلَّهُ“ لمشاركة هذا التأمّل مع أصدقائك ومتابعتنا على مواقع التواصل الإجتماعي على فيسبوك، انستغرام، يوتيوب وتويتر. نسأل الله أن يضع سلامه في قلبك أينما حللت ومهما فعلت، وأن يعطيك نعمة القداسة لكي تكون ملحاً للأرض ونوراً لعالم اليوم!